بسم الله الرحمن الرحيم
منهج الإسلام في مواجهة البطالة
دعوة الإسلام إلى العمل
إن البطالة و زيادة انتشارها يوما بعد يوم تمثل قنبلة موقوتة تهدد أمن المجتمعات واستقرارها ، ولذلك تتبارى المؤسسات المحلية والعالمية في دعوة الناس إلى طرق أبواب العمل ؛ إنقاذا لأنفسهم وذويهم من براثن الفقر وعواقبه الوخيمة ، ومع كل هذه الجهود التي تبذل فإنه لا توجد دعوة إلى العمل أروع من دعوة الإسلام ، دين الله الحق ، الذي يدفع الإنسان إلى العمل النافع بدوافع متعددة ، خروجا به من دائرة الفقر أو البطالة ، وإشراكاً له في عملية التنمية الاقتصادية ، ومن أبرز هذه الدوافع ما يلي :
1- ربط العمل بالإيمان :
" فالدافع الأول على العمل في الإسلام هو الإيمان خلافاً للرأسمالية التي ترى الدافع الأول والأوحد على العمل هو المصلحة الشخصية ، بينما ترى الشيوعية أن الدافع الأول عندها هو المصلحة الجماعية .
وقد اقترن العمل بالإيمان في أكثر من ثمانين آية في القرآن الكريم ، وما ذلك إلا اهتماماً بالعمل ، ورفعاً لشأنه ، حيث رفعه المولى – عز وجل – إلى مستوى العقيدة وربطه بها ليكون صالحاً نافعاً كدليل على صدقها ، وجمع بينهما لضرورتهما معاً في تعمير الأرض وإصلاحها ، وفي استغلال مواردها الطبيعية للانتفاع بها ، وفي توفير حاجات الإنسان وتحقيق رغباته وسعادته " ( عوامل الإنتاج في الاقتصاد الإسلامي ، حمزة الجميعي صـ 209 ) .
ولا شك أن العمل طالما كان نابعاً من مشكاة الإيمان فإنه يعود على التنمية الاقتصادية بالازدهار ، إذ أن الإيمان يضمن كثرة الإنتاج وجودته ، لأن العامل يؤدي عمله ابتغاء وجه الله ومرضاته قبل مرضاة رب العمل ، وهذه خصيصة انفرد بها العمل الإسلامي .
2- بيان أن العمل يعدل الجهاد في سبيل الله :
وفي ذلك يقول الحق – سبحانه - : ) . . وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله … ( ( سورة المزمل ، من الآية رقم / 20 ) ، فقد ساوى الحق – سبحانه – بين المجاهدين في سبيل الله وبين الساعين ضربا في الأرض في سبيل الرزق .
3- بيان أن العمل فطرة إنسانية :
وفي ذلك يقول - تعالى- :) يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه( ( سورة الانشقاق ، الآية رقم /6 ) ، ويقول - تعالى- : ) لقد خلقنا الإنسان في كبد ( ( سورة البلد ، الآية رقم / 4 ) ، وهذا يعني أن التعطل عن العمل اختياريا مناف للفطرة الإنسانية ، ولذلك يقول الراغب الأصفهاني : " من تعطل وتبطل انسلخ من الإنسانية ، بل من الحيوانية ، وصار من جنس الموتى "( الذريعة إلى مكارم الشريعة ،الراغب الأصفهاني ، صـ 382 ) ، فالمتقاعس عن العمل ميت في صورة الأحياء !! ولأن العمل فطرة إنسانية فقد رسم الإسلام كيفية تربية جسم الإنسان وعقله ، وكيفية المحافظة على سلامتهما ، وحرم كل ما يمثل اعتداء عليهما ، حتى يكون الإنسان مؤهلاً لخوض غمار ميادين العمل والقيام بدوره في التنمية الاقتصادية كما ينبغي أن يكون .
4- بيان أن كل عمل يقابله أجر على قدر العمل :
وهي قاعدة عامة أرساها الإسلام في كل الأعمال ، حتى أن العبد يوم القيامة يجازيه الله على قدر ما قدم من أعمال ، وفي ذلك يقول - سبحانه - : ) من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون ( ( سورة هود ، الآية رقم /15 ) ، ويقول - تباركت أسماؤه - : ) .. إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً ( ( سورة الكهف ، من الآية رقم / 30 ) ، ويقول - سبحانه وتعالى- : ) ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً ( ( سورة طه ، الآية رقم / 112 ) ، ويقول – جل وعلا - : ) .. وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون ( ( سورة الأحقاف ، من الآية رقم / 19 ) ، ولا سبيل لتفاوت الأجر إلا حسب أهمية العمل وما يبذله فيه من طاقة وجهد ، يقول – سبحانه - : ) ولكل درجات مما عملوا … ( ( سورة الأحقاف ، من الآية رقم / 19 ) .
وهذه القاعدة من شأنها أن ترسي علاقات اجتماعية عادلة بين صاحب العمل والعامل ، حيث يأخذ كل منهما حقه :
* أما صاحب العمل فحقه إتقان العمل .
* وأما العامل فحقه أن ينال أجراً مكافئاً لعمله دون غبن أو بخس ، ومما لا شك فيه أن تيقن العامل من أن كل عمل يقوم به سيمنح عليه ما يكافئه من الأجر يجعله يبذل قصارى جهده رغبة في تحصيل أعلى الأجور ، مما يعود بالخير عليه وعلى المجتمع .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن العامل في الإسلام ينال على عمله – الذي تحكمه ضوابط العمل في الإسلام – أجرين :
* الأول : أجر دنيوي : ويشمل الأجر المادي الذي يتقاضاه الإنسان على عمله ، وتلبى به حاجاته وحاجات من يعولهم ، وهو من رزق الله وفضله ، كما قال -تعالى- : ) هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه … ( ( سورة الملك ، من الآية رقم /15 ) ، ) فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ..( ( سورة الجمعة ، من الآية رقم /10 ) ، وقد نهى الله – عز وجل– عن هضم حق العامل في هذا الأجر المادي ، إذ هو من أكل أموال الناس بالباطل ، قال – سبحانه - : ) يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل … ( ( سورة النساء ، من الآية رقم /29 ) ، وتوعد - سبحانه- من يهضم حق الأجير بالخصومة يوم القيامة ، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي –e– قال : ) قال الله تعالى : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى بي ثم غدر ، ورجل باع حراً فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره ( ( رواه البخاري في صحيحه رقم / 2270 ) .
كما يشمل الأجر الدنيوي الأجر المعنوي الذي يتمثل في شعور الفرد العامل بقيمته الذاتية ، وشعوره بالأمن والسكينة وعزة النفس ، وشعوره بالاحترام الاجتماعي الذي يفتقده العاطلون ، كما قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - : " إني لأرى الرجل فيعجبني فأقول : له حرفة ؟ فإن قالوا : لا . سقط من عيني " ( كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال ، علاء الدين علي المتقي 4/123 رقم /9858 ) ، وصدق رسول الله –e– حيث قال :) ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده ، وإن نبي الله داود – عليه السلام – كان يأكل من عمل يده ( ( رواه البخاري في صحيحه رقم / 2072 ) .
* الثاني : أجر أخروي : ويعطيه الله – عز وجل – لكل من أخلص في عمله ابتغاء مرضاة الله ، ) … ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ( ( سورة النحل ، من الآية رقم /41 ) .
ومن هذا المنطلق يظل المسلم يعمل إلى آخر حياته وإن لم يدرك ثمرة أعماله الأخيرة في الدنيا ، حيث إنه ينطلق في عمله لأداء رسالته في تعمير الأرض ، ومشاركة منه في التنمية الاقتصادية الذاتية والاجتماعية ، منتظراً الأجرين ، فإن لم يحصل الأول فإنه سيحصل الثاني إن شاء الله ، ومن هنا يفهم قوله –e– : ) إن قامت على أحدكم القيامة وفي يده فسلة فليغرسها ( ( رواه الإمام / أحمد في مسنده بإسناد صحيح رقم / 12837 ).
هذه هي أبرز الدوافع الإسلامية إلى العمل ، والتي تدل على مدى حرص الإسلام على أن تعمل كل الطاقات القادرة في المجتمع الإسلامي حتى لا تصبح كلاًّ وعالة على غيرها .
منقول للفائدة
أنور العراقي
0 التعليقات:
إرسال تعليق